بقلم الصديق أشرف مكرم:
هل اعتمد الكوميكس الأوروبى على الكوميكس الأمريكى فى شخصياته وإصداراته الكوميكسية؟لندع التاريخ هو الذى يجيب عن هذا السؤال. وباستشارة التاريخ، نستطيع أن نوجز الإجابة فى النقاط المختصرة التالية:
1- نشأ فن الكوميكس أساساً فى أوروبا، فأول (قصة مصورة Graphic Novel) صدرت فى ألمانيا عام 1783 بعنوان (ليناردو وبلاندين) للرسام فرانز فون جوز.. تلتها قصص الفنان الإنجليزى توماس رولاندسون مثل حب الثعلب وحيوان الغرير عام 1784، وسلسلة الدكتور سانتكس التى بدأها عام 1812.. وأعمال الفنان الإنجليزى جيمس جيلارى، والإنجليزى برانستون، والهولندى أورتمان، فيما بين نهايات القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر. وللأمانة، يجب أيضاً ذكر قصة من صفحة واحدة تم استعمال بالونات الحوار فيها لرسام كندى مجهول بمناسبة الانتخابات الكندية فى القطاع الفرنسى من كندا عام 1792.
2- ثم نصل لعام 1827، حيث أنتج الفنان السويسرى من القطاع الفرنسى لسويسرا "رودولف توبفر" ما أصبح يعتبر الآن رسمياً "أول قصة كوميكس"، وهى قصة (مسيو فيوبوا). والجدير بالذكر أن تلك القصة والتى تليها (قصة مسيو جابو) لنفس المؤلف هما أول قصتين كوميكس فى التاريخ تتم طباعتهما فى ألبومات مستقلة ، وذلك عامىّ 1831 و1833. وقد طبعتا أولاً فى أوروبا، ثم - وهذا هو المهم هنا - طبع الأمريكان قصة (مسيو جابو) بعد ترجمتها إلى الإنجليزية باسم (مستر أولدباك).
وهذا أول نموذج لتأثر الأمريكان بالكوميكس الأوروبى، منذ نشأته.
3- وتتوالى المحاولات الكوميكسية الأوروبية بالقرن التاسع عشر: ويليام هيث وكروكشانك وكروكويل ودويل من إنجلترا، وفيلهالم بوش وهوفمان من ألمانيا، ونادار ودوريه ولوريشون من فرنسا، حتى نصل أخيراً إلى أول المحاولات الأمريكية، وهى قصة عن لنكولن للرسام الأمريكى ماكلينان، ثم قصة (آلى سلوبر) للرسام الأمريكى تشارلز روس، وتأليف الكاتبة الفرنسية مارى دوفال، وذلك عام 1867.
4- وبعد العديد من القصص الأوروبية والقليل من القصص الأمريكية والكندية، نصل إلى أول فنان كوميكس هام فى أمريكا، وهو ريتشارد آوتكولت، مبتكر شخصية الصبى الأصفر عام 1895، وباستر براون عام 1902. وتاريخ الكوميكس يعتبره أول من استخدم بالونات الحوار، وهذا غير صحيح، لأن أكثر من فنان استخدمها قبله، ولو على نطاق ضيق. والأصح أن نعتبر آوتكولت أول من استخدم بالونات الحوار استخداماً واسعاً.
5- وفى نفس ذلك الوقت، فيما بين عامىّ 1895 و1896، استخدم أيضاً الفنان الفرنسى جول ديباكى بالونات الحوار فى قصصه المصورة.
6- وتوالت أعمال الكوميكس (ومعظمها بدون بالونات حوار) فى فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة.. ولكن الإنتاج الأكبر والأغزر كان من نصيب الفرنسيين، إذ ظهر عندهم فنانون عديدون فى تلك الحقبة، من أشهرهم وأهمهم إميل كول وكريستوف، وقد اشتهر الأخير بشخصيته (بروفسير كوسينوس)، والذى بدأ كريستوف فى نشر سلسلة مغامراته منذ عام 1893، أى قبل الصبى الأصفر لآوتكولت بعامين.. ولابد أن نذكر أيضاً الفنان الفرنسى الهام كاران داش، والذى استخدم بالونات الحوار أيضاً فى بعض أعماله فى نفس توقيت استخدام الأمريكى آوتكولت لها تقريباً.
7- وفى عام 1897، تظهر ثالث شخصية كوميكس ذات سلسلة مغامرات مستمرة (بعد بروفسير كوسينوس الفرنسى، والصبى الأصفر الأمريكى)، وهى الأولاد كاتزنيامر للفنان الأمريكى رودلف ديريكس. ومن المهم أن نذكر أن ديريكس هو ألمانى المولد والنشأة، وقد هاجر إلى أمريكا فى شبابه واستقر بها. وقد ابتكر شخصية الصبيين كاتزنيامر متأثراً بماكس وموريتز لمواطنه الألمانى بوش. وقد استمرت مغامرات الصبيين كاتزنيامر للألمانى المهاجر ديريكس حتى ستينيات القرن العشرين، حيث تولى رسمها وتأليفها من بعده فنانون مختلفون.
9- وتوالت شخصيات الكوميكس الشهيرة، فابتكر ماك كاى الأمريكى (نيمو الصغير) عام 1905، وابتكر الفرنسى إميل بانشون (الفتاة بيكاسين) عام 1905، وابتكر الفرنسى روز كانديد (سام وساب) عام 1908، وابتكر الفرنسى لوى فرتون (الأقدام المطلية بالنيكل) عام 1908، وابتكر الأمريكى هاريمان (كريزى كات) عام 1916، وابتكر الفرنسى آلان سانت-أوجان (زيج وبيس) عام 1925، وهو الفنان الذى تأثر به إرجيه، والذى ابتكر شخصية (توتور) عام 1926، ثم الأطفال (فلوب ونيناس وبوسيت وكوشونيه) و(مسيو موب) عام 1928، ثم تان تان عام 1929، ثم (كيك وفلوك) وجو وزات وجوكو عام 1930.
10- لا شك أن الولايات المتحدة كان لها تأثير ثقافى على كثير من المناطق فى العالم، ومنها أوروبا بالتأكيد، وذلك لأسباب سياسية واقتصادية متعددة، ليس هنا المجال لذكرها. لكنها لابد أن ننتبه لأمرين فى غاية الأهمية عند الحديث عن علاقة أوروبا بأمريكا، وبالتحديد فيما يخص فن الكوميكس:
الأول، أن هذا التأثير كان متبادلاً، مع سبق أوروبا فى إبداع هذا الفن وتأسيس دعائمه، وأن أول مطبوعة كوميكس أمريكية على الإطلاق كانت ترجمة إنجليزية لإنتاج سويسرى باللغة الفرنسية، وهو قصة أولدباك للفنان السويسرى توبفر..
والأمر الثانى، أن العديد من فنانى الكوميكس الأمريكان هم ذوو أصول أوروبية، أو هم أوروبيو المولد والنشأة وقد هاجروا فى شبابهم إلى أمريكا (رودلف ديريكس الألمانى الأصل - ماك كاى سكوتلندى الأصل - هاريمان من أصل خليط من الفرنسى والكوبى - ويل آيزنر صاحب أشهر جائزة مخصصة للكوميكس فى أمريكا نمساوى الأصل، حيث هاجر أبوه إلى أمريكا قبل زواجه من أم آيزنر الرومانية المولد بفترة قصيرة.. والسلسلة تطول).
وبغض النظر عن هذه الأمثلة وغيرها، فإن الولايات المتحدة يمكن اعتبارها فرعاً لأوروبا فى القارة الأمريكية، فالأمريكان هم أوروبيون (إنجليز فى غالبيتهم، وفرنسيون، وألمان، وإيطاليون، وإسبان) قد هاجروا إلى أمريكا، مع نسبة صغيرة من الأفارقة والآسيويين. أى أن الأمريكان فى واقع الأمر هم أوروبيون يعيشون خارج أوروبا).
وإلى هنا وأتوقف عن حديثى الذى طال أكثر مما قصدت.. وأعتذر عن عدم إرفاق صور بالموضوع حتى لا يتضخم
أكثر، وسوف أحاول فى بوست آخر الحديث عن أمثلة آكثر للتأثر المتبادل بين الكوميكس الأوروبى والأمريكى..
(ملحوظة:- هناك محاولات قديمة للكوميكس فى مناطق أخرى من العالم، كاليابان والصين وروسيا.. وفى مصر أيضاً.. لكن هذا له حديث آخر)
مع تحياتى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق